من ثمـرات الطاعات
إن
من فضل الله وكرمه أن جعل للطاعات آثاراً جميلة .. وعواقب حميدة .. وثمرات
حلوة . قال الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ
مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
}. ففي هذه الآية أربع ثمرات للطاعات : ( الخيرية ، الثبات ، الأجر العظيم
، الهداية )
• قال الشيخ السعدي رحمه الله :
ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:
1- الخـيـريـة :
في
قوله: { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } أي: لكانوا من الأخيار المتصفين
بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك صفة
الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
2- حصول التثبيت والثبات وزيادته :
فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به.
-
فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب،
فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها .
- وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد ، فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر ، فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك .
- ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر .
وأيضا
فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى
يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على
الطاعات.
3- قوله: { وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا
عَظِيمًا } أي: في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن، ومن
النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
4- الهداية إلى صراط مستقيم :
وهذا
عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم
بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك،فمن
هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.
• ومن ثمرات الطاعات :
حديث واحد ذكر فيه أربع ثمرات للطاعات : ( محبة الله للعبد ، حفظ الجوارح عما حرم الله ، إجابة الدعاء ، الحماية من جميع الشرور ) .
•
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن
الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي
مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي
يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه... ] رواه البخاري
• ومن الثمرات : ( محبة أهل الأرض والسماء للمطيع ) .
• قال الله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } .
-
قال الشيخ السعدي رحمه الله : هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين
الإيمان والعمل الصالح، أن وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي: محبة وودادا في
قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض .
- وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل.
-
ولهذا ورد في الحديث الصحيح: " إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب
فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا
فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض " .
- " وإنما جعل الله لهم ودا،لأنهم ودوه ، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه . أ.هـ
• ومن الثمرات : ( الحياة الطيبة ) .
قال الله تعالى :{ من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } .
•
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضى
والرزق الحسن وغير ذلك والصواب أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره
بالإيمان ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه فإنه لا حياة أطيب
من حياة صاحبها ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة ،وهذه الحياة الطيبة
تكون في الدور الثلاث أعني دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار.اهـ بتصرف
• ومن الثمرات : ( عدم تسلط الشيطان عليهم ) .
قال
تعالى : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ
يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }، { إنه ليس له سلطان }
: أي قوة وتسلط على إفساد الذين آمنوا وإضلالهم ، ما داموا متوكلين على
الله.
- قال الثوري رحمه الله : ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه.
- { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } قال مجاهد: يطيعونه.
• ومن ثمراتها : ( الابتعاد عن الذنوب والمعاصي ) .
قال
تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ }.
• قال الشيخ السعدي رحمه الله :
- ووجه كون الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها
وخشوعها : ( يستنير قلبه ، ويتطهر فؤاده ، ويزداد إيمانه ، وتقوى رغبته في
الخير ، وتقل أو تعدم رغبته في الشر ) .
- فبالضرورة .. مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه ، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها.
-
وثَمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر
اللّه، بالقلب واللسان والبدن ، فإن اللّه تعالى ، إنما خلق الخلق لعبادته .
- وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها، ما ليس في غيرها .
- والفحشاء : كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس.
- والمنكر : كل معصية تنكرها العقول والفطر. اهـ بتصرف
• ومن الثمرات : ( تكفير السيئات ، و إصلاح الأحوال ) .
قال
تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا
نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } قال الشيخ السعدي رحمه الله :وأما {
وَالَّذِينَ آمَنُوا } بما أنزل الله على رسله عموما ، وعلى محمد صلى الله
عليه وسلم خصوصا{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بأن قاموا بما عليهم من حقوق
الله ، وحقوق العباد الواجبة والمستحبة .{ كَفَّرَ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ } صغارها وكبارها .وإذا كفرت سيئاتهم ، نجوا من عذاب الدنيا
والآخرة .{ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي: أصلح دينهم ودنياهم ، وقلوبهم
وأعمالهم ، وأصلح ثوابهم ، بتنميته وتزكيته وأصلح جميع أحوالهم ، والسبب في
ذلك أنهم: { اتبعوا الْحَقَّ } الذي هو الصدق واليقين . اهـ
• و من
الأحاديث : ( التي وردت في تكفير السيئات ) الحديث الأول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان
مكفراتٌ لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر رواه مسلم.
- الحديث الثاني :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال سبحان الله وبحمده، في يومٍ
مائة مرةٍ، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر متفقٌ عليه.
- الحديث
الثالث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائة مرةٍ
كانت له عدل عشر رقابٍ وكتبت له مائة حسنةٍ، ومحيت عنه مائة سيئةٍ، وكانت
له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا
رجلٌ عمل أكثر منه . متفق عليه
و الحرز : الحفظ .. أي يكون محفوظا من وساوس وتسلط الشيطان عليه .
-
الحديث الرابع : وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال : كنا عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يومٍ ألف حسنةٍ !
فسأله سائلٌ من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنةٍ ؟ قال: يسبح مائة تسبيحةٍ ،
فيكتب له ألف حسنةٍ، أو يحط عنه ألف خطيئةٍ رواه مسلم.
- قال البرقاني : ورواه شعبة، وأبو عوانة ، ويحيى القطان، عن موسى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا: ويحط بغير ألف.
• الله أكبر .. خلال دقيقتين تقول : ( سبحان الله أو سبحان الله وبحمده ) مائة مرة يكتب لك
( 1000 حسنة ) .
والحسنة بعشر أمثالها ( 10 × 1000=10000 ) والله يضاعف لمن يشاء .
ويحط عنك ( 1000 سيئة ) .. سبحان الله العظيم ما أعظم سعة كرمك وفضلك ورحمتك .
• ومن الثمرات : ( تفريج الشدائد والكربات ) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ تعرَّف إلى الله في الرَّخاء ، يعرفكَ في الشِّدَّةِ ] . رواه الترمذي
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
-
يعني : أن العبد إذا اتقى الله ، وحفظ حدوده ، وراعى حقوقه في حال رخائه ،
فقد تعرف بذلك إلى الله ، وصار بينه وبين ربه معرفة خاصة ، فعرفه ربه في
الشدة ، ورعى له تَعَرُّفَه إليه في الرخاء ، فنجاه من الشدائد بهذه
المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربه ، ومحبته له، وإجابته
لدعائه .
- وقال رجل لأبي الدرداء : أوصني ، فقال : اذكر الله في السرَّاء يذكرك الله عز وجل في الضراء
-
عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : [ من سرَّه أنْ
يستجيب الله له عندَ الشَّدائد ، فليُكثرِ الدُّعاءَ في الرَّخاء ] . رواه
الترمذي
• وفي الجملة : فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه ، عامله الله باللطف والإعانة في حال شدَّته . اهـ
• ومن الثمرات : ( المعونة ، والتأييد ، والنصر ، والتوفيق )
قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }
قال الشيخ أبو بكر الجزائري :
- أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ثم بقتال أعداء الله من أهل الكفر المحاربين للإسلام والمسلمين .
-
وكل من جاهد في ذات الله نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإِن هذه البشرى
تناله وهذا الوعد ينجز له وذلك أن الله مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده
على من جاهدوهم في سبيل الله ، والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم
وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم وطهارة أرواحهم .