أليس مشهداً غريباً؟ إن الله لم يذكر هنا رؤيتك لقريبٍ أو حبيب، ولا لزوجة ولا لزوج، ولا لمالٍ أو متاعٍ جميل، نعم لقد ذهبت متعلقات الدنيا بكل أطيافها، إنك الآن في أرض المحشر وأرض الميعاد.
إن الموعد ليكون اللقاء مع الأعمال {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6].
إنها لحظة رؤية المنجزات الكبيرة من الحسنات والصالحات، إنها لحظة مشاهدة السيئات والكبائر التي فعلتها ونسيتها ولكن الله لا ينسى.
إنها ساعة الندم حينما ترى ذنوبك التي ذهبت لذتها وبقيت مكتوبة لكي تشاهدها هناك.
وتستمر كتابتهم الدقيقة عليك حتى تكون ساعة موتك, ثم تنتقل لقبرك, ثم ليوم حشرك، ثم هناك تستلم التقرير الكبير لسجل أعمالك لتشاهدها هناك بل وتقرأها {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
يا الله... ما أعجب اللقاء حينما يكون مع العمل، وما أجمله إن كان العمل صالحاً, وما أحزنه إن كان العمل سيئاً.
إن الواحد منا ليحاول أن ينسى جريمته وخطيئته حتى لا يؤنبه ضميره، ولكن هناك مشهد الرؤية للأعمال وما أعظمه من مشهد.
إن التأمل في ذلك المشهد يجعلك تستيقظ وتعيد المراجعة لنفسك، لتصحح مسارك, وتساهم في المزيد من الحسنات لكي تشاهدها هناك لتسعد السعادة الحقيقية وتصيح أمام العالمين {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 19- 20].
وذلك المشهد يجعلك تقف، وتستغفر من ذنوبك، وتبدأ في محوها من كتابك حتى لا تشاهدها هناك {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].